ندوة بالقاهرة: سوريا أمام مفترق طرق .. والكرد يؤمنون بدولة ديمقراطية تستوعب الجميع

تحت عنوان "سوريا في مفترق طرق" نظمت مكتبة البلد المصرية ندوة في القاهرة، أمس الأحد، لمناقشة تطورات الأوضاع في سوريا، وكذلك انعكاساتها الإقليمية والدولية.

ضمت المنصة الرئيسية للندوة كل من الكاتب الصحفي والمحلل السياسي إلهامي المليجي والذي تحدث عن التحديات الداخلية في سوريا، والسفير يوسف مصطفى زادة مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وقنصل مصر الأسبق في سوريا وتطرق إلى تعامل مصر مع تطورات الأزمة السورية، والكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد شيخو وتطرق إلى مجمل الوضع السوري، كما تحدث عن المكون الكردي ودوره.

وأتى انعقاد الندوة في وقت تتصدر تطورات الأزمة السورية الملفات والقضايا الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، منذ سيطرة هيئة تحرير الشام على مقاليد الحكم كسلطة أمر واقع، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول، وما لذلك من تبعات على العلاقات والتفاعلات بين القوى الإقليمية والدولية، ومستقبل المنطقة ككل.

وقدمت الندوة وأدارتها سحر عبد الرحمن نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام، التي أكدت أن الأزمة السورية تتصدر اهتماماتنا جميعاً، وتفرض العديد من التساؤلات حول مستقبل هذا البلد المهم، وإلى أين يتجه، في ظل وجود الإدارة الحالية التابعة لهيئة تحرير الشام، وهي الأسئلة التي وجهتها للمتحدثين الرئيسيين.

مصر والتعامل مع الأزمة السورية

بدأت الكلمة من السفير يوسف مصطفى زادة، والتي استهلها باستعراض جانب من تجربته الشخصية خلال فترة عمله قنصلاً لمصر في العاصمة السورية دمشق في التسعينيات، وكيف تعرض لتجربة قاسية عندما سرق منزله في وضح النهار، وضربت سيارته فكسر له ضلعان، نتيجة نشاطه الملموس، موجهاً انتقادات شديدة للقمع الذي كان يتسم به نظامي حافظ وبشار الأسد.

ثم ينتقل بعد ذلك مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق إلى الحديث عن الدبلوماسية المصرية والتعاطي مع الأزمة السورية، حيث يقول إن مصر تتعامل بهدوء مع الوضع في سوريا، عكس كثير من الدول الأخرى، فلم تبعث القاهرة وفداً إلى دمشق، وإن كنا شاركنا في المؤتمرات التي عقدت حول سوريا، وأرسلنا طائرة مساعدات، فيما جرى الاكتفاء رسمياً باتصال بين وزير الخارجية المصري ونظيره في الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام.

ويوضح الدبلوماسي المصري السابق أن هذا الموقف يعود إلى أن مصر لديها تحفظات في بعض الأمور؛ مثل ظهور الإرهابي المصري أحمد المنصور في سوريا، وكذلك بعض القيادات الإخوانية الأخرى، كما أن مصر حاربت الإرهاب على مدار السنوات الماضية، ولهذا فإن مصر تختلف عن غيرها من الدول في التعامل مع الإدارة الجديدة بدمشق.

ويقول إن إدارة هيئة تحرير الشام سلمت لمصر بعض المطلوبين، وهناك اتصالات تجري، دون أن يتم الإعلان عن ذلك، كما تم منع بعض الذين يحرضون ضد الدولة المصرية من الدخول للأراضي السورية، وبالتالي فإن هذه الإدارة قامت ببعض الأمور الجيدة، لكن القاهرة لا تزال تتعامل مع الأوضاع بتروي إلى حين استتباب الأمور.

التحديات الداخلية في سوريا

انتقلت الكلمة إلى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي إلهامي المليجي، الذي ناقش التحديات الداخلية التي تواجه سوريا، معتبراً أن الفترة الأخيرة في عمر الدولة السورية هي الأصعب منذ الاستقلال، وتتطلب جهوداً كبيرة لتجاوزها على صعيد توافر الإرادة الداخلية، وكذلك الحاجة إلى الدعم الدولي والإقليمي.

ويقول المليجي إن سوريا أمام تحديين رئيسيين على المستوى الداخلي؛ هما إعادة الإعمار، وإتمام المصالحة الوطنية، مشدداً على أن أياً منهما لا يمكن أن يتم دون الآخر، خاصة عندما يتعلق الأمر بتطوير البنية التحتية في بعض المناطق التي شهدت توترات أخذت طابعاً طائفياً.

ملف إعادة الإعمار

وعن ملف إعادة الإعمار، يوضح الكاتب الصحفي المصري أن هناك تحديات كثيرة، منها البنية التحتية، إذ أن 70% من سوريا تم تدميره بالكامل، ناهيك عن التدمير الجزئي. أما اقتصادياً، فقد انكمش الاقتصاد بمعدل 50%، فيما تجاوزت نسبة البطالة 50%، كما أن 90% من السكان يعيشون على المساعدات.

وواصل المليجي حديثه عن التحديات التي تواجه ملف إعادة الإعمار في سوريا، ويذكر أن هناك إشكالية تتعلق بالتمويل؛ إذ تحتاج سوريا إلى 400 مليار دولار على الأقل، في ظل ضعف على مستوى الموارد الداخلية، كما أن العقوبات الدولية وخاصة قانون قيصر عطلت التدفقات المالية، ثم يأتي تحد آخر يتعلق بترتيب الأولويات لتحديد المناطق الأكثر احتياجاً لإعادة الإعمار.

الحاجة إلى مصالحة وطنية

وانتقل إلهامي المليجي للحديث عن القسم الثاني وهو المصالحة الوطنية، إذ أكد أنها الأساس لتحقيق الاستقرار، ومن ثم الأساس لفتح الطريق أمام الديمقراطية، مشيراً إلى أن هذا الملف تواجهه تحديات تتمثل في الطائفية، فسوريا بلد يتكون من مزيج من العرقيات والقوميات والطوائف، مشيراً إلى أن هناك مؤشرات حالية يمكن أن تؤدي إلى وقائع كارثية.

ويشير كذلك إلى أن ملف المصالحة الوطنية يصطدم بانتشار الفصائل المسلحة، مشدداً على أن هذا تحد حقيقي؛ فتغيير أبو محمد الجولاني ملابسه لا يعني انتفاء وجود هذه التنظيمات، كما أن هناك صراعات بين هذه التنظيمات المسلحة المختلفة، وداخل هيئة تحرير الشام نفسها.

واقترح المليجي مجموعة من الحلول للتعامل مع هذا الوضع، حيث دعا إلى ضرورة المضي قدماً في إطلاق حوار وطني شامل، مشيراً إلى أن سلطة الأمر الواقع في دمشق قالت إنها ستبدأ حواراً وطنياً ولم تبدأ، كما أن هناك تغييب للكيانات السياسية الفاعلة والمعارضة الوطنية.

كما دعا الكاتب الصحفي المصري الأطراف الدولية والإقليمية إلى أن يكون لها دوراً إيجابياً، فضلاً عن الحاجة إلى أن تكون هناك عدالة انتقالية تسير وفق ضوابط القانون، مؤكداً الحاجة إلى إنشاء لجان لتقصي الحقائق كتلك التي كانت في جنوب أفريقيا، ويجب أن تكون هناك ضغوطاً لإتمام المصالحة الوطنية.

من بين ما أشار إليه المليجي، كانت فلسفة الأمة الديمقراطية للمفكر عبد الله أوجلان، التي يؤكد أنها تقدم أفكاراً إيجابية، يمكن أن تساعد في مواجهة وعلاج كثير من التحديات والإشكاليات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، بما تحمل من دعوات للعيش المشترك، وإقامة دولة على هذا الأساس تضمن الحقوق لكافة المكونات.

زلزال استراتيجي ووضع غامض

بعد ذلك انتقلت الكلمة إلى الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد شيخو، الذي وصف ما حصل في سوريا بـ "الزلزال الاستراتيجي"، مؤكداً أنه يأتي امتداداً لكثير من التطورات التي تشكل إرهاصات الترتيبات الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط، بداية من حرب الخليج، ثم حرب غزة ولبنان، والأمر مرشح للوصول إلى مناطق أخرى مثل العراق وقبرص.

ويرى شيخو أن أزمة سوريا تعود إلى أن هناك إشكاليات في بنية النظام السياسي على مدار الـ 100 سنة الماضية، وما تمخضت عنه من قبل اتفاقيات مثل سايكس – بيكو ولوزان، على نحو لم يراعي طبيعة البنية الاجتماعية السورية، ومن ثم فإن سوريا بحاجة إلى امتلاك القدرة على بناء نظام سياسي يستوعب كل المكونات السورية.

ويؤكد الكاتب السوري أن الوضع في سوريا حالياً غامض، فلا يوجد إعلان دستوري، ولا يوجد قانون، وكذلك هناك إشكاليات في بناء المؤسسات، منوهاً إلى أن العقلية التي تدير البلاد حالياً من "قصر الشعب" أعطت رسائل تثير القلق على الصعيد الداخلي فيما يتعلق بملفات الإرهاب واستيعاب المكونات الأخرى، وكذلك ما يتعلق بالمضي قدماً في الحوار الوطني.

المكون الكردي ودوره

ثم انتقل شيخو في المحور الأخير من كلمته للحديث عن المكون الكردي ودوره، فيقول إن الحدود السورية – التركية الحالية رسمتها اتفاقية أنقرة سنة 1921 والتي تمت بين تركيا وفرنسا، ووضعت جزءاً من الشعب الكردي ضمن الدولة السورية، كما أنا وضعت أراض سورية تحت السيادة التركية.

ويقول شيخو إن المكون الكردي لعب دوراً مهماً من أجل استقلال سوريا، وهناك شخصيات شهيرة مثل يوسف العظمة الذي كان أول وزير سوري للدفاع واستشهد في مواجهة الجيش الفرنسي الذي قدم لاحتلال سوريا ولبنان سنة 1920، وإبراهيم هنانو الذي كان أحد أبرز قادة السورة الثورية في مواجهة الاحتلال الفرنسي.

ويقول إنه قد كان هناك استيعاب للكرد عند بناء الدولة السورية، لكن لاحقاً تم تهميشهم، ثم ظهر دورهم مجدداً في مواجهة الإرهاب وتنظيم داعش الإرهابي، وظهور الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وما لعبته من دور في مواجهة هذا التنظيم والحفاظ على التماسك الاجتماعي في تلك المنطقة، كما أنها في حوار الآن مع الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام، من أجل الوصول إلى صيغة توافقية تحافظ على البلاد وتبعدها عن الصراعات.

ويدلل شيخو على دور الكرد بأن دولة مثل تركيا رغم حربها ضد هذا المكون لنحو 100 سنة، إلا أنها الآن تتفاوض مع المفكر عبد الله أوجلان، ويمكن أن يكون هنا حلاً سلمياً، واختارت الآن أن تسعى للسلام، منوهاً إلى أن بعض الأصدقاء العرب يعتقدون أن الكرد يريدون الانفصال وضد وحدة الدول، وهذا غير صحيح، مشدداً على أن الكرد لديهم رؤية لحل قضيتهم في إطار دولة ديمقراطية ذات مؤسسات وطنية تستوعب الجميع.

لا يتوفر وصف.
لا يتوفر وصف.